هل وقعنا في حب الأجهزة التي تسمح لنا بالدخول إلى رسائل البريد الإلكتروني وإرسال الرسائل النصية والحديث إلى الأصدقاء وبث الأشواق ونشر الأفكار، إلى الحد الذي يجعل الصلات المباشرة تبدو وكأنها غريبة مثل غرابة الموعد الأول، أم أن هناك عدم إدراك لكيفية تمكين هذه الأجهزة المرتبطة بالشبكة الاجتماعية لنا للوصول إلى مستويات جديدة من الربط العالمي؟
الإجابة هي بالقطع نعم.. ثم نعم.
عالم بديل
مؤخرا، اتخذ الروائي جوناثان فرانزن، مؤلف رواية (Freedom and The Corrections)، أحد طرفي هذا النقاش في كلمة بحفل تخرج في كلية كينيون في غامبير بولاية أوهايو، التي ذكر فيها أنه يعيد اكتشاف النشاط البيئي كدواء لوهم الاتصال الذي يوفره الإنترنت.
تقول جانيت ستوبل (27 عاما)، مدير قسم الإعلام الاجتماعي في موقع Bankrate في جوبيتر بولاية فلوريدا، إن “حياتي متأصلة في التكنولوجيا، لكني لأنني لا أريد أن أضيع على نفسي فرصة العلاقات الحقيقية فإنني أقوم بكل شيء باعتدال”. ويقول فرانك رايس (67 عاما)، إنه يعشق مساعده الرقمي الشخصي، لكنه لا يحب الصورة التي يبعث بها الأفراد الرسائل النصية أثناء سيرهم والارتطام به دون الاعتذار.
وفي كلمته ألقى فرانزن باللائمة على الهوس بالأجهزة التقنية (كأجهزة الـ”بلاك بيري”، وضمن نفسه في هذا الحشد)، مشيرا إلى أن “الهدف النهائي من التكنولوجيا هو أن يحل محل العالم الطبيعي الذي لا يبالي برغباتنا – عالم الأعاصير والمصاعب والقلوب المحطمة في عالم المقاومة، أي المقاوم لنا – عالم سريع الاستجابة لرغباتنا، الذي هو مجرد امتداد للذات”.
تكنولوجيا اجتماعية
العلاقات الشخصية لا تزال سليمة من الضرر! إذ تشير الدراسة التي قام بها مركز “بيو ريسيرش” للإنترنت والحياة الأميركية، إلى أن من استثمروا بشكل كثيف في العلاقات على الإنترنت يميلون إلى الإيثار بشكل أكبر بعيدا عن الإنترنت أكثر من الأشخاص الذين لا يستخدمون الإنترنت. ووجد مركز “بيو” أن 80 في المائة من مستخدمي الإنترنت يشاركون في المنظمات التطوعية مقارنة بـ56 في المائة من غير مستخدمي الإنترنت. ويقول مدير المشروع، لي رايني: “بات جليا أن التكنولوجيا لا تؤثر بصورة سلبية على صداقاتنا أو اتصالنا مع العالم”. ويضيف في حديث نشرته صحيفة “يو إس إيه توداي” الأميركية: “ما يبدو اليوم كإشارة هو الملاحظة المكتوبة بخط اليد، أو إغلاق هاتفك الجوال للجلوس والحديث مع شخص ما. نحن نبحث عن مساحات جديدة ونتقدم بأعراف جديدة من الإتيكيت”.
والإتيكيت هو في الحقيقة جانب ضخم من هذا النقاش المحب للتكنولوجيا. لا أحد يميل إلى الأيام غير الملائمة للهاتف البدائي، وما يتم الاعتراض عليه حاليا هو الطبيعة التطفلية للأدوات التي نملكها.
وتفرض بعض الشركات شروطا بأن تكون الاجتماعات خالية من أي تكنولوجيا (كومبيوتر محمول أو مساعد رقمي شخصي)، في الوقت الذي تشترط فيه معسكرات الشباب ترك الأجهزة الإلكترونية في المنزل. ومؤخرا، صوت المشرعون في مدن رويال أوك وستيرلنغ هايتس الامريكية لصالح قرار يقضي بمنع الاتصالات الرقمية بين أعضاء مجالس المدن خلال الاجتماعات. وقد اتخذت هذه الخطوة لتثبيط أي صفقات لا يمكن للجمهور أن يسمعها.
سلوكيات سيئة
وكشف البحث الذي أجرته شركة Intel صانعة الرقائق الإلكترونية عن أن 91 في المائة من البالغين شاهدوا أفرادا يقومون باستخدامات خاطئة للتكنولوجيا، بينما قال 75 في المائة إن سلوك مستخدمي الهواتف الجوالة تحول إلى الأسوأ عما كان في عام 2009. وتقول جنفيف بيل، رئيسة قسم أبحاث التجريب والتفاعل في مختبرات Intel: “لم نتمكن بعد نحن أو عائلاتنا أو مجتمعاتنا من معرفة ماهية السلوك والتوقعات الصائبة التي ينبغي أن يمارسها عليها المرء”.
وخلال المسح الذي أجراه عام 2010 وشارك فيه 430 مسؤولا في الموارد البشرية، قالت الأغلبية إن الموظفين الشباب يرسلون 87 في المائة من الرسائل النصية ويستخدمون الإنترنت بنسبة 77 في المائة ويقومون باتصالات بالهواتف الجوالة بنسبة 72 في المائة أثناء العمل. وعندما سئل المشاركون عما إذا كانوا يعتبرون هؤلاء الموظفين غير منتبهين أجاب 20 في المائة منهم بنعم، وهو ما يزيد بنسبة 6 في المائة عن العام الماضي.
ويرى مارك بايورلين مؤلف كتاب “الجيل الأغبى: كيف بهر العصر الرقمي الشباب الأميركيين وعرض مستقبلنا للخطر»، العنوان المثير للاستفزاز الذي منح مؤلفه ازدراء عموم الجمهور وحتى التهديدات بالقتل، أن الاتصال يعني أن المرء ليس بمفرده على الإطلاق، وأن هذا نوع من الخزي. ويقول بايورلين مصدقا على حجة فرانزن: “إن الدخول في علاقة مع شخص أو سبب عادة ما يكون مؤلما وفوضويا، لكنه في النهاية مرض إلى حد بعيد. فأدوات التكنولوجيا تجعل كل شيء سهلا. وهو ما يعني في سنوات تطور الفرد أنه لا يوجد ألم ولا ربح”.
أجيال جديدة
وأبدى بايورلين حزنه على تقوض مهارات القراءة والكتابة في عصر الرسائل النصية، ويرى أن الطلبة في محاضراته يشكون عندما يقول لهم إن 99 في المائة مما يحدث لهم لا يثير اكتراث أحد، وأن الأصدقاء على الإنترنت ليسوا أصدقاء حقيقيين.
لكن هل توجد حقا فجوة كبيرة بين الأجيال؟ في الستينات كان هناك تناقض صارخ بين آباء حقبة أيزنهاور وجيل أبنائهم من حقبة الهيبيز، واليوك يعتبر “فيس بوك” و”تويتر” بالكاد حكرا على الشباب.
ويقول تي سكوت جروس، خبير أبحاث المستهلك الذي يعمل مع موقع “تونتي سمسنجز”: “لا أجد في دواخل هؤلاء الأطفال أنهم مهووسون بالتكنولوجيا كما نعتقد. من المؤكد أنهم ليسوا من القراء الجيدين ويمكنك أن تغضبهم عبر ترك ملاحظة بخط جيد مقروء، لكن إجمالا فإن هذا جيل واضح ومتزن يستخدم مجموعة من المهارات لإنجاز نفس الأمور التي يقوم بها الجيل القديم”.
ويضيف: “عندما بدأ جوتنبيرج الطباعة، كانت هناك انعكاسات سلبية، فقد أثارت الأشياء المطبوعة اعتقادات لدى الناس بأنها أمور فاحشة، كما هو الحال مع التكنولوجيا جميعا، وأن جميعها تسير في طريق من اتجاه واحد”.