كيف يمكن لإنفيديا إنقاذ إنتل؟

شهدت صناعة أشباه الموصلات تحولات جذرية في السنوات الأخيرة، حيث تراجعت إنتل، التي كانت سابقًا المسيطرة بلا منازع، بينما تصاعدت إنفيديا لتصبح أغلى شركة تقنية في العالم. في سبتمبر 2025، قدمت إنفيديا شريان حياة ينقذ إنتل عبر استثمار بقيمة 5 مليارات دولار، في شراكة تاريخية قد تحدد مستقبل إنتل بالكامل. هذه الشراكة تمثل أكثر من مجرد دعم مالي؛ فهي تحالف استراتيجي قد يعيد تشكيل مستقبل الشركتين معًا.

أزمة إنتل: عاصفة من التحديات

تعاني إنتل من أزمة عميقة بسبب عدة عوامل، حيث سجلت الشركة خسائر قياسية وصلت إلى 19 مليار دولار في 2024، تلتها خسارة أخرى بقيمة 821 مليون دولار في الربع الأول من 2025. تسببت هذه الأزمة في اتخاذ الشركة قرارات حاسمة، كخفض النفقات بشكل واسع، وتسريح 15% من قوتها العاملة (حوالي 15,000 موظف)، ووقف توزيع الأرباح لأول مرة منذ عام 1992.

ترجع مشاكل إنتل إلى أخطاء استراتيجية متعددة؛ فقد فشلت في دخول قطاع الهواتف الذكية عند انطلاقه، وغيبتها ثورة الذكاء الاصطناعي التي صعدت بإنفيديا، وتعثرت في تطوير عمليات التصنيع، ما منح TSMC الصدارة التقنية. كذلك فقدت الشركة حصصًا سوقية لصالح AMD في الحواسيب ومراكز البيانات، وفشلت وحدة تصنيع الرقائق (IFS) في تحقيق أرباح أو جذب عملاء كبار، ما هدد بخروج إنتل من قطاع التصنيع كليًا.

شريان إنفيديا: الاستثمار والتحالف التقني

في سبتمبر 2025، أعلنت إنفيديا شراء حصة في إنتل قيمتها 5 مليارات دولار (حوالي 4-5% من أسهم الشركة)، ما أعاد الثقة للمستثمرين ورفع سعر سهم إنتل بنسبة 30%. لا يقتصر الأمر على الدعم المالي، إذ تشمل الشراكة تقديم تقنيات وتعاون في مجالين أساسيين:

  • مراكز البيانات: ستصمم إنتل معالجات x86 خاصة لصالح تقنيات الذكاء الاصطناعي من إنفيديا، مع ربطها عبر تقنية NVLink فائقة السرعة، ما يمنح إنتل دخولًا لسوق الذكاء الاصطناعي المزدهر الذي تهيمن عليه إنفيديا.
  • الحوسبة الشخصية: ستطور الشركتان رقائق “Intel x86 RTX SOCs” مدمجة تجمع معالج إنتل مع معالج رسوميات (GPU) من إنفيديا. هذه المنتجات قادرة على منافسة AMD بقوة.

الفوائد الاستراتيجية: أعمق من مجرد تمويل

توفر شراكة إنفيديا حلًا لأخطر مشاكل إنتل:

الوصول للسوق: الشراكة تمنح إنتل موطئ قدم قوي في سوق الذكاء الاصطناعي المتسارع.

تحسين استغلال المصانع: قد تساعد عقود إنفيديا في رفع معدلات استغلال مصانع إنتل، وإن كان الاستحواذ لا يشمل تصنيعا مباشرا لمعالجات إنفيديا داخل مصانع إنتل حاليًا.

التقنيات الفريدة: يمنح ربط NVLink معالجات إنتل ميزة تنافسية خاصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مقارنة بمعالجات AMD.

الثقة في منظومة x86: استثمار إنفيديا يعد دعمًا صريحًا لمنظومة x86 مقابل الاتجاه نحو معماريات ARM.

دعم حكومي موازٍ

تأتي صفقة إنفيديا بالتزامن مع دعم ضخم من الحكومة الأمريكية، حيث استثمرت 8.9 مليار دولار في إنتل عبر قانون شرائح أشباه الموصلات (CHIPS Act)، مانحة الحكومة حصة 9.9% من أسهم الشركة. هذا الاستثمار يعزز استقرار إنتل ويشترط عليها الحذر في إدارة وحدات التصنيع بحيث لا تفصلها عن الشركة بسهولة.

فرصة للنهضة التصنيعية

تعتمد عودة إنتل للريادة على قدرتها في استعادة تفوقها التصنيعي وجذب عملاء خارجيين لوحدة IFS. الشركة ضخت استثمارات ضخمة في مصانع متطورة بتقنيات EUV، لكن هذه المصانع لا تزال تعاني من ضعف معدلات الاستغلال وتكبد خسائر ضخمة. يضع الرئيس التنفيذي ليب-بو تان نهجًا أكثر صرامة من حيث ربط أي توسعات بوجود طلب حقيقي من العملاء.

تأثيرات تنافسية مباشرة

شراكة إنفيديا-إنتل أربكت الأسواق فور إعلانها. انخفض سهم AMD بنسبة 5% وسط مخاوف من تصاعد المنافسة في كل من قطاعي المعالجات المركزية والرسومية. من جهة أخرى، تهدد الصفقة في المدى البعيد تفوق TSMC، خصوصًا إذا تمكنت إنتل من إقناع إنفيديا مستقبلًا بتصنيع بعض معالجاتها لديها، ما يقلل من المخاطر الجيوسياسية.

تحديات قائمة

رغم مؤشرات الإيجابية، ما تزال هناك تحديات هائلة أمام إنتل، وعلى رأسها تدني نسب استغلال المصانع، واستمرار خسائر وحدة التصنيع، وتعقيد عمليات التطوير. كما تشترط الشراكة مع إنفيديا تنفيذًا دقيقًا وسريعًا لمنتجات جديدة تتوافق مع توقعات السوق.

الخلاصة: هل تتحقق النجاة؟

استثمار إنفيديا يمنح إنتل فرصة ذهبية لالتقاط أنفاسها، لكنه لا يضمن إنقاذها؛ فالأمر يعتمد بالكامل على نجاح خطة التنفيذ واستعادة القدرة على الابتكار وضبط التكاليف، وجذب العملاء. إذا حققت الشراكة هدفها، ستعود إنتل لموقع الريادة في عصر الذكاء الاصطناعي. وإن أخفقت، فقد نشهد نهاية واحدة من أعظم شركات وادي السيليكون.

من وجهة نظرنا، هذه الشراكة ليست مجرد إنقاذ، بل اختبار حقيقي لقدرة إنتل على التعلّم من أخطائها السابقة. فإذا أحسنت استغلال دعم نفيديا والحكومة الأمريكية، فقد نكون أمام عودة قوية لعملاق السيليكون. أما إذا عجزت عن التنفيذ، فستكون نفيديا قد أمنت لنفسها موقعًا أكثر قوة على أنقاض إنتل.

محمد رمزي

مؤسس الموقع ورئيس التحرير، مؤمن بأهمية التكنولوجيا في تطوير المجتمع، متابع باهتمام تطور الذكاء الاصطناعي والتطور الكبير في مجالي الحوسبة والتخزين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى