لكن وهم الصوت ليس وهما عاديا ، انه وهم متطور للغاية ، فالانسان يستطيع سماع ملايين النغمات والأصوات المختلفة .
وهذه الحقيقة في حدّ ذاتها مذهلة للغاية ، فقدرة العقل علي خلق وهم بهذا التنوع من مجرّد حركات واهتزازات الهواء هي قدرة عجيبة و معجزة في نفس الوقت .
والعقل يفعل ذلك عن طريق ملاحظة الاختلافات الصغيرة بين اهتزاز جسم ما ، واهتزاز جسم آخر مختلف عنه في الحجم ونوع المادة ، فاهتزاز الهواء الناشئ عن اهتزاز الطبلة يختلف عن اهتزاز الهواء الناشئ عن اهتزاز جرس معدني مثلا .
فالطبلة تهتز بسرعة أقل من الجرس (عدد اهتزازتها قليل )، لذلك تعطي لعقلك صوتها معينا (صوت غليظ) ، أما الجرس فيهتز بسرعة شديدة لأنه من المعدن (عدد اهتزازته كبير) ، لذلك يعطي لعقلك صوتا مختلفا (صوت حاد) .
اذن اختلاف نغمات الصوت نابع أصلا من الاختلاف في عدد اهتزازات الهواء حولنا ، فالاهتزاز البطئ (ذو الاهتزازت القليلة) يُحدث نغمة معينة ، والاهتزاز السريع (ذو الاهتزازت الكثيرة) يحدث نغمة أخري مختلفة ..
والمرجّح أن الاختلافات في سرعة الاهتزازات تسبب اختلافات في تردد التيار الكهربي الخاص بالمخ ، وهذا بدوره يعطي للمخ الفرصة لترجمة هذه الاختلافات الي أصوات مختلفة .
حتي مسألة علو وانخفاض الصوت ترتبط أيضا بالاهتزازات ، فاذا فرضنا وجود طبلة كبيرة ، وطبلة صغيرة ، فانه من المنطقي أن تولد الطبلة الكبيرة صوتا أعلي من الطبلة الصغيرة ، وذلك بسبب أن الطبلة الكبيرة تهز كمّية أكبر من ذرات الهواء ، وهذا سبب صوتها العالي ، أما الطلبة الصغيرة فهي تهز كمية أقل من ذرات الهواء ، لذا يكون صوتها منخفضا .
وتستغل الآلات الموسيقية هذه المبادئ في توليد آلاف النغمات ، عن طريق التحكم في سرعة وقوّة اهتزاز الأوتار و المعادن ، فتارة تصبح سريعة ، وتارة تصبح سريعة جدا ، ثم تصبح بطيئة فجأة ، ثم متوسطة السرعة ، ثم سريعة ، ثم بطيئة جدا ، ثم سريعة وهكذا …
وكذا الأمر مع قوّة الاهتزاز ، فتارة يكون الاهتزاز قويا جدا وسريعا في نفس الوقت ، لكنه يتحول فجأة الي اهتزاز سريع ضعيف ، ثم الي بطئ قوي ، او بطئ ضعيف .. و هكذا ..
يستقبل العقل هذه الاهتزازات المختلفة ، ويوّلد منها باقة متنوعة من الأصوات و النغمات التي نطلق عليها “موسيقي” .
لكن انتبه ! ، لا تترك هذه القدرة العقلية علي توليد النغمات من الاهتزازت تخدعك .. فمن المستحيل أن تأتي تلك القدرة من فراغ ..
فعلي سبيل المثال ، لن يستطيع أحد أن يجيبك لماذا عندما يحدث انفجار فاننا نسمع صوت “بووووم” بالذّات ؟ ، فالانفجار أولا وأخيرا هو مجرد موجة اهتزازية كاسحة ، لماذا نسمع هذا الصوت تحديدا عند حدوث الانفجار ؟ لماذا لا نسمع صوت “كراك” مثلا ؟
لماذا يصدر الزجاج صوت “كراش” عندما يتهشّم ؟ ولماذا يصدر الماء صوت البقبقة عندما يغلي ؟ لماذا يصدر الطائر صوت الرفرفة عندما يطير ؟ بل لماذا تصدر الفأرة صوت “كليك” عند الضغط عليها ؟
الاجابة ببساطة ، أن عقل الانسان مبرمج مسبقا علي ترجمة الاهتزازات المحيطة به الي هذه الأصوات .
عقل الانسان مبرمج أن يحول الاهتزاز الرهيب الناتج عن الانفجار الي صوت “بوووم” ، وأن يترجم آلاف الاهتزازات الصغيرة التي تنشأ من تهشم الزجاج الي صوت” كراش” .
عقل الانسان مبرمج بدقة شديدة ، ليستقبل هذه الاهتزازات ، ويترجمها الي أصوات مميزة ، ثم لا يكتفي بذلك ، بل يحولها الي مشاعر وأحاسيس ذات معني ، فمن الأًصوات ما يثير في النفس الخطر ، الخوف ، الفرح ، الاطمئنان ، الشجن .. الخ ..
كيف تمت برمجة عقل الانسان ليفعل هذا ؟ الاجابة هي بالطبع في علم الله الخالق وحده ..
الخالق الذي يعلم جيدا كيف تتحول موجات اهتزازية تافهة الي ما نسميه بالصوت ، الي مشاعر وأحاسيس غاية التعقيد والتركيب … الي عالم آخر من الاحساس السمعي ذو الجودة الفائقة والتنوع المذهل .
ولأن الطبيعة والكون يعمل بنظام دقيق محكم ،فان الانسان لا يملك الا أن يتحدّ معه لتحقيق ما يريد .. فكل اختراعات الانسان هي مجرد استغلال للطريقة التي تعمل بها الطبيعة ، واعادة توظيفها وتسخيرها لخدمته .
والسماعة ليست بأي حال من الأحوال استثناء من هذه القاعدة .
السماعة تستغل فكرة الاختلافات في الاهتزازات ، لتوليد كل صوت وأي صوت يمكن تخيّله ، فالجزء المسئول عن الاهتزاز في السماعة يمتلك المرونة اللازمة للاهتزاز بسرعات متفاوتة ، من البطئ للغاية وحتي السريع جدا ، تاركا مسئولية توليد الصوت (أو وهم الصوت ) ، لتقع علي عاتق المخ كما ذكرنا .
اذن فالسماعة ما هي الا مولّد للاهتزازات ، والأذن ما هي الا مستقبل للاهتزازات ، والعقل ما هو الا مولّد للوهم !
أري الآن أننا أصبحنا نسبح في نفس الصفحة أيها السادة ، فأنتم تعرفون كل شئ عن الصوت الآن ، يبقي فقط أن تعرفوا كيف يولد الحاسوب وهم الصوت !