فكرة إصدار جوجل لكاميرتها الأولى تثير بعض الذعر بين الناس، فكاميرا Clips الجديدة والصغيرة جداً من جوجل، والتي طرحت في الأسواق أخيرا، هي التي تقرّر ماذا تصوّر وتسجّل… أي أن نظام الذكاء الصناعي الموجود فيها يراقبكم في أي وقت تكون فيه الآلة مضاءة. وبعد إعلان جوجل عن إطلاق كاميرتها الأولى في أكتوبر الماضي، غرّد Elon Musk على تويتر قائلاً: “هذا الأمر لا يبدو بريئاً”.
أداة مراقبة غريبة
ينقل لنا “جيفري فوولر” المحرر في واشنطن يوست تجربته مع هذه الكاميرا بعد صدورها، يقول المحرر: حين رأيت الكاميرا لأول مرّة، لم أتمكّن من تجاهل شعوري بأن جوجل طوّرت أداة المراقبة الغريبة التي استخدمت في فيلم “The Circle” للمخرج دايف إيجرز في سيليكون فالي. ولكن لمصلحة العلم، وللتخلص من القلق الذي انتابني، استخدمت الكاميرا الجديدة التي يبلغ سعرها 250 دولارا طوال أسبوعين، وسلّطت عدستها على مجموعة من الأطفال الصغار وهم يلعبون، وحملتها في قطار الأنفاق، وعلّقتها على لعبة من الفرو في مقهى للقطط. واستنتجت أخيراً أنّ إنجاز جوجل الجديد ليست عيناً شريرة مهمتها المراقبة الدائمة. ولا بدّ من الاعتراف بأن هذه الكاميرا لا تتمتع بالجودة الكافية لتلبية حاجتكم لكاميرا الهاتف، إلا أنّها تكشف لنا الكثير عن مستقبل التكنولوجيا.
يمكن القول إن Clips هي نسخة من كاميرا GoPro ولكن بدماغ خاص بها. إنها الكاميرا الأولى التي تسعى إلى استخدام الذكاء الصناعي ليحلّ محلّ العمل الأساسي للمصورين، أي الضغط على زرّ الالتقاط. ليس من الصعب أبدا أن نتخيّل الإغراء الذي سيشعر به الآباء المسيطرون أو أي شخص يمضي الكثير من وقته في استخدام كاميرا هاتفه تجاه هذا الابتكار.
يمكن تثبيت كاميرا جوجل بالقرب من طفل صغير مثلاً، لتعمل على غربلة جميع اللحظات المضجرة التي تمرّ، وتسجّل مقطع فيديو مدّته سبع ثوانٍ يعرض بعض اللحظات المهمة. وكثيرون هم الأشخاص الذين يصوّرون أشياء كثيرة ولا يعدّلون أو ينظرون إلا للقليل منها. ولكن هذا الأمر بدا لغوغل مشكلة يمكن حلّها.
وإلى جانب الإنجاز الذي حققته في استخدامها الجديد للذكاء الصناعي، فهمت جوجل أخيراً أن الناس يشعرون بالتوجس منها، فبخلاف ما عودتنا عليه الشركة، تبذل Clips اهتماماً إضافياً بطريقة استخدامها للبيانات التي يمكن أن تصبح تهديداً إضافياً للخصوصية.
لقطات راصدة
ينطبق هذا الأمر على الإصدار الأول من الكاميرا على الأقلّ، ولا شكّ أنّ Clips هي مجرّد البداية لاستخدام الذكاء الصناعي في الكاميرات وجميع أنواع الأجهزة التي نستخدمها في حياتنا اليومية.
من اللحظة التي يدير فيها المستخدم عدسة الكاميرا لتشغيلها، تبدأ Clips بالبحث عن اللقطات المهمة. تستطيع عدستها التي تتميّز بزاوية واسعة أن ترى أكثر مما ترى كاميرات الهواتف، إلا أنّها تلتقط المشاهد بجودة رديئة ودون أي صوت.
ولكن كيف تميّز الكاميرا الجديدة اللقطات المثيرة للاهتمام؟ تقول شركة جوجل إنها أمضت ثلاث سنوات في دراسة سلوك الناس أثناء استخدامهم للكاميرات، ثمّ استعانت بثلاثة محترفين: مخرج أفلام وثائقية، ومصوّر صحافي، ومصوّر فنّي، لتدريب الكاميرا على كيفية اختيار اللقطات الجميلة حين تحصل. العامل الجيّد في هذه الكاميرا يتمثّل ثباتها وتوازنها أثناء الحركة الخفيفة، أمّا العامل السلبي، فهو حصرية نشاطها. فقد علّم المحترفون Clips كيف تبحث عن الوجوه السعيدة، وخاصة وجوه الأطفال إلى جانب التعرّف إلى الكلاب والقطط.
عندما جربناها في العالم الحقيقي، نجحت Clips في تصوير نصف اللقطات التي كنت أرغب فيها، وعدد من اللقطات الأخرى التي لا تهمني. تقول جوجل إن الذكاء الصناعي لا يهدف إلى العثور على إبرة في كومة قش، بل إلى إزالة بعض من القش. اصطحبت Clips إلى سان فرنسيسكو إلى مقهى للقطط لنرى إن كانت ستتمكن من التقاط كلّ اللحظات الجميلة في هذا المكان. فكانت النتيجة أنّ الكاميرا نجحت في التقاط بعض الصور الجميلة، ولكنها لم ترق إلى مستوى أداء كاميرا الهاتف. فقد كان علي أن أحرّكها باستمرار باتجاه المشهد المطلوب، على مسافة تتراوح بين ثلاث وثماني أقدام، صحيح أن Clips تبدو صالحة للحمل والارتداء، إلا أنها لا تعمل جيّداً أثناء الحركة السريعة. مع Clips، يجب أن تثقوا بالذكاء الصناعي. ستجدون زراً يمكنكم أن تستخدموه لإجبار الكاميرا على التقاط صورة ما، ولكن في حال استخدمتوه، ستضطرون أيضاً إلى الاستعانة بهاتفكم، إذ لا توجد في خلفية الكاميرا تريكم ما تراه عدستها. يمكنكم مثلاً أن تعرّفوا الكاميرا على الوجوه التي يجب أن تصوّرها من خلال تركيزها لثلاث ثوانٍ على صورة معينة، أو أن تسمحوا لها بالاطلاع على اللقطات الموجودة في ملف Google Photos.
ولكن في حال كنتم تنوون شراء كاميرا تصوّر أشياء غير الأطفال والحيوانات الأليفة، من الحفلات الموسيقية إلى الرحلات في الطبيعة، يفضّل أن تختاروا كاميرا GoPro HERO6 Black التي توازي Clips حجماً بسعر 400 دولار.
عين شريرة
صحيح أن تركيز كاميرا جوجل الأولى يتمحور حول الأطفال الصغار والحيوانات الأليفة، إلا أنّها ورغم ذلك أثارت أسئلة شائكة: هل تلتقط Clips صوراً متساوية للأولاد ذوي البشرة الفاتحة والداكنة؟ وكانت خوارزميات جوجل عام 2015 قد عرّفت صور الأطفال أصحاب البشرة الداكنة على أنّهم غوريلات، الأمر الذي أساء لسمعة الشركة.
اختبرت Clips بتصوير ستة أطفال بينهم آسيوي، وأفريقي – أميركي، وآخر أبيض البشرة، وبدت الكاميرا مهتمة بهم جميعهم بشكل منصف. تقول جوجل إنّ تركيزها اليوم ينصبّ على بناء ذكاء صناعي شامل، ولكنّها في الوقت نفسه ستحافظ على سريّة خوارزمياتها التي ستزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
وماذا عن اللقطات التي لا تلتقطها الكاميرا؟ في حال سمحت لمنتج ما بأن يوجد في حياتي اليومية، من هي الجهة التي ستتمكّن من رؤية ما يحصل فيها؟ ففكرة أنّ Clips ليست مدرّبة للتعرّف إلى صور غير الوجوه والحيوانات الأليفة لا تعني أبدا أنها لن تشهد على لحظات مهمّة وخاصّة.
ولكن ما هي المفاجأة التي قدّمتها جوجل في هذه الكاميرا؟ خصوصية ممتازة. فقد تبيّن لي أن Clips لا تتصل بالإنترنت، إذ يتمركز ذكاؤها في هيكل الكاميرا وليس في التقنية السحابية. (يقال إن هذا الأمر تطلّب تطورات نوعية أدخلت على هيكل الكاميرا انتهت منذ فترة قصيرة فقط). استخدمت جوجل سابقاً الذكاء الصناعي لتحليل صور الناس بأسلوب تدخّلي بعض الشيء عبر خدمتها الشهيرة Photos، ولكن الكاميرا الجديدة التي أطلقتها لا تعتمد على القدرات نفسها.
تبقى اللقطات التي تلتقطها Clips على الكاميرا حتى يستعين المستخدم بتطبيق من آندرويد أو آيفون لنقل الصورة إلى ألبوم الصور في الهاتف أو ليتخلّص منها. تتميّز Clips بسعة تخزين تصل إلى 16 جيجابايت، لم أستطع ملأها لأن بطارية الكاميرا لا تدوم أكثر من ثلاث ساعات.
وقالت جوجل إنها لا تستخدم بيانات المستخدمين أو خياراتهم في تحديد اللقطات التي يجب أن تبقيها أو تمحيها لتحسين خوارزمياتها.
تشكّل هذه الكاميرا أيضاً مصدر استهداف آخر نضعه في حضانة الأطفال أو أندية الحيوانات الأليفة وتستفيد منه شركة باتت تملك الكثير من البيانات عنّا. يشعر الكثير من المستهلكين المهتمين بالتقنيات الرقمية بالريبة من بعض المنتجات كمساعد Google Home الصوتي، ومنافسيه أمازون إيكو وآبل HomePod. وتجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس التنفيذي لأمازون جيفري بيزوس هو مالك صحيفة (واشنطن بوست) أيضاً.
فقد أظهر استطلاع أجرته شركة “ديلويت” العام الماضي أن 40 في المائة من المشاركين عبّروا عن قلقهم من قدرة الأجهزة المنزلية الذكية على كشف معلومات عن حياتهم الشخصية.
كاميرات ذكية
قد تكون Clips الكاميرا الأولى التي تعمل بالتصويب والتصوير التلقائي، ولكنّ الأكيد هو أنّها تقول الكثير عن مستقبل الذكاء الصناعي في حياتنا. تستخدم شركة أمازون مثلاً هذا الذكاء للحكم على أسلوب اختيار أزيائنا، بواسطة كاميرا Echo Look. وفي أوائل هذا الشهر، أطلقت شركة “لايت هاوس” الناشئة كاميرا أمنية للمنازل تعمل بالذكاء الصناعي وتتميّز بمهارة عالية تمكّنها من تنبيه الأهل عندما يتأخر أولادهم في العودة إلى المنزل بعد المدرسة. وأنا شخصياً أضمن أن تقديم مقاطع فيديو متطورة تظهر الحيوانات الأليفة هو البداية فقط في طموحات جوجل. تستحق جوجل كلّ التقدير لإثباتها إمكانية تصميم منتجات تعمل بالذكاء الصناعي لا تتطلب نشر بيانات خاصة على الإنترنت. ولكن التهديد الذي قد يقلقنا لاحقاً سيكون في حال (أو عندما) تقرر الشركة أن تحدّث شروط خدمتها وتصل Clips بالتقنية السحابية، أو عندما تطلق إصداراً جديداً يعمل على شكل كاميرا مراقبة.
تقول إميلي كلارك، الناطقة باسم جوجل إن Clips لا تتصل بالإنترنت لأسباب تتعلّق بالخصوصية وحرصاً من الشركة على ضمان أولوية النقل السريع للبيانات عبر الهاتف. ولكن عندما سئلت ما إذا كان هذا الوضع سيتغيّر مستقبلاً، أجابت: “لا يمكننا أن نخمّن”.