بقلم Peter Oganesean، المدير الإداري لدولة الإمارات العربية المتحدة وشرق أفريقيا في HP
ينبغي على الشركات وقياداتها التركيز على ما هو أكبر من المنتجات التي يبيعونها إذا كانوا يسعون إلى تحقيق النجاح في ظل التغير المستمر الذي يشهده العالم اليوم. ولم يعد النقاش يدور فقط حول أفضل المنتجات والاستراتيجيات أو حتى المقاييس المالية، إذ أصبح التأثير الذي تحققه الشركة على المجتمع من خلال القيم التي تدعمها، يحظى بنفس القدر من الأهمية.
وفي حين تقوم الحكومات والمؤسسات غير الربحية والمجتمعات بالدور الذي ينبغي عليها أن تؤديه، تمتلك مؤسسات القطاع الخاص في دولة الإمارات القدرة على المساعدة في حل التحديات المجتمعية وتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة. ويمكن لقادة اليوم بناء أسس أعمال قوية وممارسات صديقة للبيئة، بما يعود بالفائدة على الشركات والبيئة في الوقت ذاته.
وبالنسبة للشركات، تتجاوز الاستدامة كونها ضرورة أخلاقية، فهي جيدة للأعمال، كما يمكن أن تصبح ميزة تنافسية تدعم الابتكار والربحية، وتعزز قوة وموقف الشركة وكوكب الأرض على المدى البعيد.
وفي ظل التحديات الصعبة التي تواجه العالم اليوم، أصبحت الحاجة ملحة لأن تركز الشركات على الاستدامة.
الاستدامة تحقق نمواً قابل للقياس في الإيرادات
أعتبر نفسي محظوظاً لأنني عملت لصالح شركة تضع الاستدامة في قلب أهدافها قبل فترة طويلة من كون هذا المصطلح جزءاً من حياتنا اليومية. فقبل 70 عاماً مضت، قال ديف باكارد، أحد مؤسسي HP: “إن تحسين مجتمعنا ليس مهمة طرف واحد. إنه مسؤولية ينبغي أن يتحملها الجميع”. هذا التركيز مستمر حتى اليوم. فالتأثير المستدام يعد جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتنا، ونحن نرى تأثيراً مباشراً بين الاستدامة وتحقيق الأرباح.
لقد نشرنا للتو تقريرنا السنوي للاستدامة الذي يفصل كيف ساعدت جهود الاستدامة في تميزنا عن المنافسين، وهو ما أدى بشكل مباشر إلى تحقيق 900 مليون دولار من العائدات الجديدة بزيادة قدرها 35% على أساس سنوي.
إذا كانت هناك نصيحة استراتيجية يمكنني تقديمها إلى قادة الأعمال اليوم، فيجب عليهم دمج المسؤولية المجتمعية في قرارات الشراء الخاصة بهم. هذه هي الفرصة المناسبة.
العلامات التجارية قوة لصالح المجتمع
ويهتم العملاء اليوم بالبيئة والعدالة الاجتماعية. فهم يرغبون في الشراء من علامات تجارية يثقون بها، وهناك التزام متأصل من قبل الشركات لإحداث تقدم في القضايا الاجتماعية الأكبر التي تستند إلى القيم. ويمكن لقرارات الشراء والسمعة الإيجابية للعلامات التجارية، تغيير سلوك الشركة.
وفي دراسة حديثة، قال 83% من جيل الألفية المشاركين في الاستطلاع إنه من المهم بالنسبة للشركات تنفيذ برامج لتحسين البيئة، في ما قال 75% منهم إنهم قاموا بتغيير عادات الشراء لتقليل الأثر البيئي الناجم عنها. وعلاوةً على ذلك، فإن 66% من العملاء بشكل عام سينفقون المزيد لشراء منتج من علامة تجارية تهتم بالاستدامة وتدافع عن القضايا الاجتماعية والبيئية. ويرغب 60% من جيل الألفية في العمل بشركات تساهم بشكل إيجابي في القضايا الاجتماعية والأخلاقية.
انتشار الاقتصاد الدائري في دولة الإمارات العربية المتحدة
إذا كانت رغبة العملاء واستقطاب أفضل الموظفين أمراً غير كافٍ، فإن اللوائح القادمة ستغير طريقة إدارة المؤسسات وإنتاج السلع.
ولتحقيق ذلك، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة عدة مشاريع تهدف إلى عمل تحالفات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع المزيد من المبادرات والجهود الخاصة بالاقتصاد الدائري. ويشمل النهج التعاوني نماذج لإعادة تدوير الزجاجات البلاستيكية وعلب المشروبات والعبوات الأخرى. ويتماشى النهج المتكامل لإدارة النفايات مع الأهداف الطموحة لدولة الإمارات والتي تتمثل في تحويل 75% من النفايات الصلبة البلدية بعيداً عن مكبات النفايات كما نصت عليه رؤية الإمارات 2021.
ولا يمكن لاستراتيجية الأعمال تجاهل احتياجات العملاء، ولا الهيئات التي تحكمهم، لذا فهم يتكيفون بالفعل مع ممارسات أكثر استدامة ويستفيدون من هذا التغيير لخلق فرص جديدة.
ويزدهر الاقتصاد الدائري عندما تهدف الشركات إلى ابتكار منتجات ذات تأثير بيئي ضئيل بينما تحقق أطول قيمة اقتصادية ممكنة. كيف نصل إلى هذه الأهداف؟ كشف تقرير نشرته القمة العالمية للحكومات، والتي تعقد سنوياً في دبي، ومركز الأفكار Ideation Centre ، التابع لشركة Strategy&، أن دول منطقة الخليج ينبغي عليها استهداف قطاع البناء والذي ينتج 35 إلى 40% من النفايات في المنطقة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى فوائد محتملة تصل إلى أكثر من 23 مليار دولار أمريكي بين عامي 2020 و2030. ووجد البحث نفسه أنه يمكن توليد قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية عبر نموذج دائري من خلال تقليل الازدحام وحوادث السير واستهلاك الوقود، إلى جانب التكاليف المرتبطة بهذه العوامل. ويمكن لنموذج تنقل دائري توليد فوائد تراكمية في منطقة الخليج بقيمة 69 مليار دولار أمريكي بدءاً من عام 2020 وحتى 2030.
ويتمثل العنصر الآخر في تقليل التكاليف. ففي ظل تحول الشركات لتصبح أكثر إبداعاً في كل شيء من تصميم المنتجات واستهلاك الطاقة والتغليف وحتى سبل إعادة استخدام المنتجات، يمكن تقليل كل من التكاليف والنفايات. وأفاد المنتدى الاقتصادي العالمي أن 95% من العبوات البلاستيكية يتم التخلص منها بعد دورة قصيرة من أول استخدام بتكلفة تتراوح بين 80 و120 مليار دولار أمريكي.
وينبغي على أي أعمال تجري وفقاً للنموذج التقليدي أن تتكيف مع التوجه الجديد أو تواجه تراجعاً شبه مؤكد ونهاية حتمية.
وتبدأ الشركات ضمن إطار الاقتصاد الدائري، في الانتقال من نموذج البيع الخطي إلى علاقات أكثر جاذبية وربحية تقوم على الخدمات. ويشعر العملاء بالقرب من العلامات التجارية التي يستخدمونها في ما تحافظ العلامة التجارية على منتجاتها وتقوم بإدارتها طوال دورة الحياة – بما في ذلك التخلص من النفايات وإعادة التدوير ومبيعات الاستبدال- مما يسهم في زيادة الثقة والولاء والربحية في نهاية المطاف.
إعادة التدوير واسترجاع المواد
نظراً لأن الشركات تعيد التفكير في نماذج الأعمال، فمن الضروري إعادة التفكير في المواد التي تدخل في صناعة المنتجات. وينبغي على الشركات المصنعة أن تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المستدامة للمنتجات أثناء عملية التصميم – وليس فقط عندما يكون العملاء جاهزين للتخلص من المنتج بعد استخدامه.
ومن خلال إعادة استخدام المواد، هناك ما لا يقل عن 700 مليار دولار من الوفورات الموجودة بالفعل في سوق المنتجات الاستهلاكية العالمي. ولقيادة هذه الجهود على المستوى المحلي، أعلنا عن شراكتنا مع مؤسسة دبي العطاء لإطلاق مبادرة ‘Reinvent Hope’ ، التي ستمكن سكان دبي من إعادة تدوير خراطيش أحبار HP من خلال صناديق مخصصة لهذه العملية تم وضعها في متاجر تجزئة/سوبر ماركت مختارة. وستسهم كل خرطوشة أحبار يتم إعادة تدويرها بشكل تلقائي بمبلغ 5 دراهم في إطار جمع الأموال لدعم الأطفال المحتاجين. وستوفر هذه المبادرة للأطفال والشباب المحتاجين إمكانية الوصول إلى مستوى جيد من التعليم.
ويتمثل أحد المجالات التي تسعى الشركات المصنعة إلى إحداث تغيير عليها في استخدام البلاستيك الخام وتحويله إلى بلاستيك معاد تدويره. وتعتبر طيران الإمارات مثالاً جيداً حيث تعهدت الشركة بتقليل استعمال المواد البلاستيكية القابلة للاستخدام لمرة واحدة على متن طائراتها. وسيتم استبدال الأكياس البلاستيكية المستخدمة لمبيعات السوق الحرة على الطائرة بأكياس ورقية. وتساهم هذه المبادرات في إزالة 81.7 مليون قطعة بلاستيكية ذات استخدام واحد من مكبات النفايات كل عام.
ومن الضروري لجميع الشركات أن تستخدم المواد بأكبر قدر من الكفاءة وتزيد من استخدام المواد المتجددة والقابلة لإعادة التدوير، ولكن ذلك لا يعد دائماً أمراً سهلاً بالنسبة لغالبية الشركات المصنعة، بما فيها نحن. وخلال العام الماضي، تم دمج أكثر من 21 ألف طن من البلاستيك القابل لإعادة التدوير في منتجاتنا، وهو ما يمثل 7% من المحتوى الإجمالي للمنتجات. ولكن ذلك لا يعد أمراً كافياً. ونظراً لكوننا شركة رائدة في هذا المجال، أعلنا مؤخراً عن التزامنا بزيادة استخدام البلاستيك القابل لإعادة التدوير بنسبة 30% بحلول عام 2025.
مساءلة الشركات
نظراً للمسؤولية التي تتحملها الشركات في ما يتعلق بخلق عالم أكثر استدامة، يحتاج العملاء والحكومات والمستثمرون والموظفون والشركاء والمجتمعات إلى مساءلة قيادات الشركات عن التزامهم بهذه المسؤولية.
وفي إطار ذلك، ينبغي على الشركات أن تفصل سياساتها والتقدم الذي تحرزه وأهدافها تجاه المسؤولية البيئية والمجتمعية. ويتمثل السبيل الوحيد لقياس التقدم ووضع التزامات جديدة جريئة، في أن تكون الشركات صادقة بشأن الإنجازات والإخفاقات والأهداف – وأن تتحدى أنفسها ومنافسيها والقطاعات التي تعمل بها وحتى الحكومات لبذل المزيد من الجهد. ويمكن أن يسهم الالتزام بالمبادئ والتعاون في إثارة سلسلة من ردود الفعل.
ولا يعني هذا أن الانتقال إلى الاقتصاد الدائري لن يشكل تحدياً بالنسبة للشركات، لكن الآثار الإيجابية وأسس الأعمال طويلة الأجل تجعل من الصعب على أي شركة تجاهل هذه الفرصة. ويعد خلق تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي أمراً ضرورياً لبقاء العلامات التجارية في ظل تطلعها لكسب عملاء جدد واستقطاب موظفين موهوبين وزيادة الإيرادات. ونحن جميعاً نستفيد عندما يتعاون القطاع الخاص والحكومات للاستثمار في كوكبنا وشعوبنا ومجتمعاتنا، مما يمكنهم من الازدهار.
وكأحد قادة الأعمال، فالأمر لا يتعلق دائماً بما تقوم به من إجراءات، ولكن ما يهم حقاً هو الأسلوب الذي يتم من خلاله تنفيذ هذه الإجراءات.