الهاتف الجوال الحالي أضحى اليوم الكومبيوتر الشخصي الجديد، فالهاتف الذكي العادي يتمتع بقدرات مماثلة لقدرات جهاز كومبيوتر “Mac” أو “PC” من الطراز العالي، قبل عقد من الزمن. وهو قد يتأهل ليصبح الأداة الرئيسية للإنسان.
ولقد شرع الإنسان للتو في استيعاب ماذا يعني هذا للأعمال والثقافة والمجتمع. وبات بمقدور هواتفنا تعقب حركاتنا في العالم الطبيعي، وتسجيل تفاعلاتنا الاجتماعية، وتخزين تواريخنا الشخصية، ومراقبة ما نرغب فيه وما لا نرغب، وتعقب استهلاكنا من محتويات الإنترنت، واستخداماتنا من التطبيقات، وسلوكنا في مشترياتنا. فهي تعيش في جيوبنا وتعرف من نحن، وتتعلم المزيد عنا يوما بعد يوم. ولهذا السبب فإن الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية هي في موقع مناسب لتوقع الأعمال التي يتوجب علينا القيام بها لخدمتنا بشكل أفضل.
ومع وجود نحو خمسة مليارات من البشر متسلحين بالهواتف الجوالة، فنحن نتحدث عن مستويات غير مسبوقة من النفاذ إلى بصيرة ونفوس أكثر من ثلثي سكان العالم. وبغض النظر عن الزاوية والمنظور الذي ننظر إليه، سواء أكان تجاريا أو غيره، فإن هذا لا يعتبر أمرا صغيرا.
مليار جوال إنترنتي
في أواخر التسعينات من القرن الماضي دهش العالم من مخطط بياني لشركات الانترنت أظهر الفترة المطلوبة لكل وسط إعلامي سواء كانت صحيفة يومية أو الراديو أو التلفزيون، للوصول إلى 50% من البيوت الأميركية. وتطلبت كل من هذه التقنيات عقودا بكاملها لتجاوز العتبة، لكن تحقيق الشبكة لم يستغرق سوى سنوات قلائل. لكن التواصل مع الشبكة من المنازل أضحى باهتا اليوم أمام تواصلها من الهاتف في الكثير من المناحي، فاستخدام الجوال بات يتعلق بالأفراد، البالغين منهم والأحداث، وليس فقط المنازل.
وسيقترب عدد مشتركي الإنترنت الجوال عن طريق شبكة “3G” العالمية خلال سنة واحدة تقريبا من مليار، كما أن معدلات التواصل الكبرى هي في اليابان، وكوريا، وأميركا، والمملكة المتحدة. وحتى هناك حيث يكون اختراق شبكة “3G” منخفضا، فإن نموه سنة بعد سنة هو سريع للغاية بنسبة 81% في روسيا، و148% في البرازيل، و941% في الصين.
استكشاف هاتفي
والحلول الحسابية الخوارزمية “Page Rank” من “جوجل” التي تساعدنا في الجواب على 70% من أسئلة البحث على الشبكة، قد غيرت من أساليب بحثها والعثور على المعلومات التي نحتاج إليها. وحاليا فإن “البحث الفوري” (Google Instant) من “جوجل” يؤمن نتائج بحث حتى قبل الانتهاء من طباعة السؤال. طبعا هذه مسألة مهمة بالنسبة إلى الكومبيوتر “PC”، لكنها أهم بالنسبة إلى الهاتف الجوال، فالبحث الجوال جعل من الاستكشاف أمرا موجودا في كل مكان من العالم الطبيعي في الحياة اليومية.
كما أن اجهزة GPS وخدمات التعرف على المكان وإدراكه، إلى جانب عملية البحث، جعلت من الاكتشافات طريقا باتجاهين. فالتطبيقات مثل “Foursquare” توفر لمستخدميها الكشف عن الأماكن الطبيعية، وأسلوب اكتشافها من قبل الأصدقاء، والأعمال، والأصناف التجارية. وتذهب تطبيقات ناشئة جديدة مثل “Locately” إلى أكثر من ذلك، عن طريق تعقب طرق السيارات وممرات المشاة في رحلات التبضع والتسوق.
وبإمكان المتسوقين استخدام كاميرا الهاتف وتطبيقاته، مثل “RedLaser”، أو “ShopSavvy”، لمسح الشريط المرمز للأسعار الملصق على أي منتج لأغراض المقارنة بالأسعار، بشكل آلي بين عشرات محلات البيع.
تواصل سريع
ويعتبر تعزيز الاتصالات وتوثيقها مع الآخرين صلب إنسانيتنا. وعندما حل البريد الإلكتروني محل كتابة الرسائل أضحت اتصالاتنا أكثر فورية، وأقل رسمية وإيجازا. أما الرسائل النصية على الجوال فعززت أكثر من هذا الاتجاه، فقد أظهرت دراسة أخيرة أن ثلث المراهقين الأميركيين يرسلون أكثر من 100 رسالة نصية في اليوم الواحد. وفي أجزاء أخرى من العالم حيث الهواتف هي السائدة، فإن الرسائل النصية هي “بريد الأمر الواقع”، وبديل متدني الكلفة للاتصالات الصوتية. كما يمكن استخدامها للتبضع أيضا.
وتمثل الشبكات الاجتماعية تغييرا أهم، مختصرة بذلك خطاباتنا المطولة إلى نصوص قصيرة موجهة أحيانا إلى الجميع، ولا إلى أي أحد في الوقت ذاته. وإذا اعتبرنا أن كبرى الشبكات الاجتماعية تضم نحو بليوني مشترك فإن ذلك يعني ثلث سكان العالم.
لكن الأجهزة الجوالة تجعل من الشبكات الاجتماعية أمرا مفروضا أكثر، لأنها تمكنننا من المشاركة في ما نراه ونفعله في حياتنا اليومية في الزمن الحقيقي. ويعود رواج “Twitter” الهائل إلى قدرة المستخدمين على الـ”التغريد” من أجهزتهم الجوالة عن طريق إعلانات ومنشورات لا تتجاوز 140 رمزا وحرفا. كما قامت “فيسبوك” بتقديم نمط تعبيري من “نقرة واحدة” على شاكلة أيقونة لإبهام مرفوع يعني زر “الأمور التي تعجبني” (Like)، وهو أكثر رواجا على شاشات الجوال الصغيرة.
وتتذكر هواتفنا الجوالة أكثر من الأرقام، إذ تقوم “خرائط جوجل” باختيار “لائحة بالأماكن المفضلة” التي قمنا بزيارتها، أو ننوي زيارتها، متذكرة، ليس الأماكن وحدها، بل كل ما تتضمنه من أعمال، وأماكن تسوق، ومنازل أصدقاء لنا. وعن طريق تضافر هذا مع خدمة وحلول تخزين الحوسبة السحابية “Cloud Computing”، تضع الأجهزة الجوالة في جيوبنا إمكانيات لشراء تذاكر لا يمكن تقدير حجمها.
قرارات الية
ولأننا أصبحنا مستهلكين ذوي قدرات وإمكانيات، فإننا نود أن نشعر بأننا بتنا قادرين على اتخاذ جميع الخيارات. لكن الواقع هو أن عمليات الكومبيوتر الجوالة تؤمن لنا أساليب لا تحصى لتجعل الأجهزة الذكية تقرر عنا. وهذا صحيح لأن بعض القرارات المؤتمتة هي نتاج جانبي لمبادرتنا نحن. فـ”Yapta”، وهو تطبيق لـ”iPhone”، يقوم بتعقب توفر تذاكر الطائرات وأسعارها للمسافرين بكثرة، ليوفر لهم وسيلة لشراء التذاكر فقط عندما يجري تلبية جميع المعايير.
لكن الهواتف الذكية يمكنها أيضا اتخاذ قراراتها الخاصة، من دون الحاجة إلى التفكير بها مطلقا. ولنبدأ مع الأساسيات: قم بمنح الهاتف التفويض المناسب ليوفر بنفسه الخدمة التي يرتئيها لدى التواصل مع شبكات “Wi-Fi” المحلية. استخدم “Foursquare” أو “Venmo” للكشف عن الكثير من الأمكنة في العالم الفعلي ليقرر هاتفك أي عرض تقبله من محلات البيع. وتعني الشبكات الاجتماعية الجوالة أن تأثير الآخرين هو أكثر أهمية منذ قبل، فتطبيقات مثل “Fashism” تؤمن للشابات الهاويات للأزياء عروضا أكثر فعالية من عروض مبهمة مجهولة عن طريق زر “Like”.
البعد الشخصي
وطرحت تقنيات التجوال هذه بُعدا أكثر شخصية، إذ شرعت مليارات الدولارات في الإعلانات تتحول بسرعة إلى الوسائط الجوالة. وبات على الأصناف والماركات التجارية مواجهة السؤال العسير في كيفية دخول هذا الوسط الذي هو مجموعة معقدة من التفاعلات والاتصالات بين الملايين من المستهلكين.
وإحدى الإمكانيات الأخرى لاستخدام الأجهزة الجوالة جعل الأشياء تتكلم، إذ تذكر إحدى شركات الألبان السويدية باسم ”skanemejeriet” أنه من المهم أن تستطيع منتجاتها الطبيعية أن تخبرنا بقصتها. فقد طرحت تطبيقا لهاتف “iPhone” يمكن لمستهلكي المواد الغذائية الاستهلاكية إدخال رمز من ختم التاريخ الموجود على علبة الحليب الكارتونية لمعرفة المزيد عن المزارع المحلي الذي أنتج هذا الحليب.
تطور لاسلكي للدول النامية
خلال السنوات الكثيرة الأخيرة حازت الدول الفقيرة والنامية على أجهزة يدوية جوالة بمعدلات تفوق نظيرها في الدول المتقدمة بأربعة أضعاف. وهذه الأجهزة ليست هواتف ذكية بعد، ووظائفها محصورة في إرسال الرسائل النصية القصيرة.
ولكن عندما يتعلق الأمر بجمع كميات كبيرة من المعلومات تناسب المجموعات السكانية، سواء كانت أسواقا، أو تسعيرات، أو محاصيل، أو الطقس، أو الصحة، أو الأمراض والأوبئة، أو التلوث، أو البيئة، فإن المعلومات والبيانات الجماعية المأخوذة من ملايين المستخدمين لا تتطلب شبكات “3G” أو هواتف ذكية. لذا تستمر “Nokia” في شحن المزيد من الهواتف الجوالة اكثر من أي صانع آخر للإلكترونيات الاستهلاكية. ففي بلدان العالم المتطور لا تقوم هذه الأجهزة بوصل الأشخاص بعضها ببعض، بل الأشخاص أيضا بمصادر المعلومات العالمية.
والفرص هنا كثيرة تبدأ من النظم الجوالة لتسديد المدفوعات والخدمات المصرفية. ولتأسيس أعمال تجارية صغيرة يتوجب على رجال الأعمال الحصول على أساليب غير نقدية لتسديد بدل الخدمات والأتعاب وثمن المشتريات، وهذا ما شرع لخدمات ‘المحفظة الجوالة” مثل “Money” و”MBTA” أن تترك وقعا كبيرا على التطور الاقتصادي. كذلك شرع في استخدام الهواتف التي تقبل المدفوعات النقدية وتخزنها وتحفظها كأجهزة لحشد المصادر الجماهرية التي تمكن بعض فقراء العالم من كسب المال عن طريق القيام بأعمال صغيرة.