هذه بداية سلسلة من المقالات التي سأتناول فيها كل شئ عن الحاسوب (باذن الله) ، فكرة عمله ،بداية نشأته ، تدرج تطوره ، العوامل التي بدّلت من مسار هذا التطور ، وكيف تغير الحاسوب الي شئ مختلف تماما عن ما اعتقده الحالمون الأولون .
والبداية ، -كما عودناكم- بسيطة للغاية ، مثلها مثل بداية أي اختراع أو ابتكار أنتجته قريحة العقول البشرية المفكّرة ..
نشأ الحاسوب تدريجيا ، واعتمد علي حاجة البشر أكثر مما اعتمد علي رغبتهم في ابتكار عقل مفكر ، والقاعدة القديمة لا تزال تثبت صحتها حتي مع الحاسوب ، فالحاجة حقا هي أم الاختراع .
فاذا فرغنا من ترسيخ نمطية بداية الحاسوب ،يصبح بامكاننا أن نخطو نحو مفهوم أفضل لهذه البداية ، نحو ادراك أشمل للحاسوب ..
اولا: نمطيّة بداية الحاسوب :
سوف نختصر من البداية الكثير ، بل سوف نبتعد تماما عن البداية الحقيقة ، ونستبدلها ببداية وهمية ، تتفق معها في المبدأ ، وتختلف عنها في ترتيب الوقائع ، فنحن لا نحتاج لدرس طويل في التاريخ ، و لن يخدمنا هذا في شئ ، ما نحتاجه حقا هو لبّ القصة ، حقيقي كان أم افتراضي ..
سنبدأ بمجموعة من الافتراضات ، افتراضات تحمل جزءا من الحقيقة ، لكنها لا تمثّلها كلّها ..
تعالوا نفترض وجود أبسط سمّاعة صوت Speaker في التاريخ ، سماعة عادية تبلغ من بساطتها وقلة تعقيدها أن بامكان طفل صغير أن يصنعها في منزله ..
كل ما سوف يحتاجه هذا الطفل الصغير هو غشاء رقيق مشدود من الجلد ، مثبت في أسفله ملف من الحديد ، و مغناطيسا كهربيا .
سيقوم هذا الطفل بتوصيل الأجزاء الثلاثة مع بعضهم ، ليحصل علي أبسط سماعة كهربية في التاريخ .
وفكرة عمل هذه السماعة بسيطة للغاية أيضا ، فالصوت هو مجرد موجة اهتزازية منتظمة ، تسري في الهواء أو في الماء أو حتي الخشب ، وتسبب اهتزاز ذرات هذه المواد بشكل متناسق منتظم .
فالصوت الخارج من فم الانسان ما هو الا هواء يهتز بطريقة معينة ، وتقوم عضلات الحنجرة بهزّ هذا الهواء كيفما يشاء الشخص ، ليخرج من فمه الصوت الذي يريده .
ولهذا السبب لا يمكن للصوت أن ينتقل في الفراغ أو الفضاء الخارجي ، لأن الفراغ لا يحوي هواء أو ماء أو أي مادة قابلة للاهتزاز ، وبهذا يتنفي شرط حدوث الصوت من الأساس .
اذن كل ما يحتاجه المرء ليقوم بتوليد الصوت هو مادة قابلة للاهتزاز ، و شئ يولد الاهتزاز !
وحيث أننا نعيش علي الأرض بالفعل ،و يحيط بنا الهواء من كل اتجاه ، فان الشرط الأول يتحقق بدون جهد منا ، ويتبقي الشرط الثاني بالطبع .
ولقد خلق الله الحنجرة في الانسان بحيث تحقق هذا الشرط بدقة شديدة ، فالحنجرة بها من العضلات ما يستطيع توليد مجال كبير من الاهتزازت ، وبسهولة وتحكم كاملين من المخ البشري .
لكن الانسان لا يكتفي بقدراته الفطرية ، وانما يسعي لزيادتها فوق حدودها الطبيعية عن طريق الآلة ، وهذا سبب ابتكاره للسماعة بالطبع.
ولكي تحقق السماعة الشرط الثاني لتوليد الصوت ، فيجب أن تحتوي علي ما يماثل عضلات الحنجرة .. شئ ما يهتز ، وينقل تلك الاهتزازات الي الهواء ، فيتولد الصوت .
وهنا نعرف فائدة غشاء الجلد المشدود في سماعتنا البسيطة ، فهو يخدم غرض توليد الاهتزازات جيدا ، فالجلد المشدود يهتز بسهولة اذا تعرض لضغط مباشر .