ما يتبقي الآن هو الآليه التي ستحرك هذا الغشاء ، وهو ما سيقوم به المغناطيس الكهربي وقطعة الحديد بكفاءة تامة.
ودون الدخول في تفاصيل فنية لن تفيدنا كثيرا هنا ، يكفينا أن نقول أن التيار الكهربي يمر في الملف ، فيسبب انجذاب ثم تنافر لحظي بين الملف والمغناطيس ، وعندما يحدث ذلك ، فان قطعة الجلد تهتز ، مؤثرة علي ذرات الهواء حولها ، والتي تهتز بطريقة مماثلة مولدة صوتا . بالطبع اذا لم يمر التيار الكهربي ، لن تهتز قطعة الجلد ، ولن يصدر الصوت.
التيار يمرّ ، فيؤثر علي المغناطيس والملف فتهتز قطعة الجلد ذهابا وايابا .
الي الآن والأمور بسيطة وخالية تماما من التعقيد ، فمرور التيار يعني اهتزاز الجلد وحدوث الصوت ، وعدم مروره يعني عدم حدوث أي من ذلك .
ثم تعالوا نفترض ان الصوت الخارج من هذه السماعة هو صوت واحد فقط ، وهو : بوم !
نعم .. بوم ، كأنه صوت قرع الطبول .
بمجرد مرور التيار في الملف ، تهتز قطعة الجلد ويخرج منها صوت بوم !
بالطبع لا توجد فائدة كبيرة من مثل هذا الصوت ، فهو مجرد نغمة واحدة ثابتة ، لكن هذا لا يعني أنه عديم القيمة بشكل مطلق ، فحتي من نغمة واحدة ، يمكن أن يتولد لحن متناسق .
ثلاثة نغمات ثم وقفة ، ثم نغمة واحدة ثم وقفة ثم ثلاثة نغمات ثم نغمة ثم ثلاثة ثم نغمة وهكذا ..
بالطبع ليس هذا بأجمل ولا أكثر الألحان تأثيرا .. لكنه لحن منتظم بلا شك ، ويمكننا ايجاد عدة استخدامات موحية له ببعض من التنازلات وتفتيح الذهن !
بالطبع لا زلنا نتذكر أن مرور التيار في السماعة يسبب صدور صوت بوم ، وعلي هذا فلكي نحصل علي اللحن السابق ، فان التيار سيحتاج الي المرور ثلاثة مرات متتالية ، ثم يتوقف تماما ، وبهذا نحصل علي المقطع الأول من اللحن : ” بوم بوم بوم” ثم يمر مرة ، ثم يتوقف لنحصل علي المقطع الثاني ” بوم”، ثم يمر ثلاثة مرات ..ثم وقفة ، ثم مرة ، ثم وقفة ، ثم ثلاثا وهكذا ..
الأمر يبدو وكأن التيار الكهربي يعزف لحنا مماثلا ولكنه خفيّ أيضا ، وهذا ليس بغريب ، فالسماعة تحول بالفعل كل نبضة كهربية الي صوت أو نغمة ، كما تستغل عدم مرور التيار لتحصل علي وقفة ، والألحان في نهاية الأمر هي تجمع منتظم من النغمات والوقفات !
ثم تعالوا نفعل شيئا مختلفا ، تعالوا نرمز الي لحظة مرور التيار بالرمز “1” أو واحد ، والي لحظة عدم مرور التيار بالرمز “0” أو صفر .
الأمر لا يزال بسيطا للغاية ، فكل ما فعلناه هو الترميز ، والترميز يفيد في الاختصار ، والاختصار يفيد في سهولة ترتيب المعلومات ، وخصوصا اذا كانت كثيرة الكميّة .
الآن يمكننا أن نقول أن الأرقام (الواح والصفر) تعزف ألحانا خفية أيضا ، وهذا منطقي لأن السماعة مبرمجة ، أو مصصمة بحيث تولد النغمة عند الرقم واحد ، و تتوقف عند الرقم صفر !
الآن دعونا نفترض أنني شخصيا قد أعجبت بهذا اللحن لدرجة الانبهار ، وأنني أود الاستماع اليه مرات ومرات عديدة دون كلل أو ملل .
بالطبع هذا يدفعنا للكلام عن انعدام تذوقي للألحان ، وعن خلل في حاسة السمع لا شك فيه ، لكننا سنترك هذه النقطة لمقال آخر لكثرة مشاغلي في الوقت الحالي .
أقول ان مشاغلي كثيرة جدا ، والوقت لدي ضيق ، ولهذا لا أملك ترف الامساك بمجموعة من الأسلاك التي يسري فيها تيار كهربي ثم توصيلها بالسماعة ثلاثة مرات متتالية ، ثم مرة ، ثم ثلاثا ، ثم مرة ، الي آخر هذا العمل الممل ..
ما أريده هو أن تقوم السماعة بعزف هذا اللحن بشكل تلقائي ، ودون أدني تدخل مني ، والعمل الوحيد الذي سأقوم به ، هو الاسترخاء التام علي أريكة مريحة ، والاستماع الي ذوقي الفاسد في الألحان مرة ومرتين و ثلاثة ..!
بالتأكيد سأسمع منكم عدة ضحكات ساخرة ، مع بعض عبارات تهكميّة علي شاكلة : “يا له من كسول” ، أو “جعل الصخور تتكلم أسهل” أو “انه أكثر كسلا من حيوان الكوالا” وبالطبع “ما هو حيوان الكوالا(*) ؟” .
لا أدري ما الذي يعيب في رغبتي البريئة تلك ، لكنني أؤكد لكم أنها ممكنة ، وبجهد قليل أيضا !
كل ما سأفعله هو أن أستخدم مادة ما تستطيع تخزين التيار الكهربي في ترتيب وتتابع ، ثم أستخدم هذه المادة كمصدر للتيار الكهربي الداخل الي السماعة ، وبالتالي كمصدر للصوت !