وبداية حل أي معضلة هو سرد العقبات التي تمنع الحل ، هكذا :
العقبة الأولي :
- ممنوع محاولة تأليف نغمة جديدة ، لأنها عغملية مرهقة ، وأنا كسول ، أو أكثر كسلا من الكوالا كما يقولون ، دعك من أنني ببساطة لا أملك هذه الموهبة ، والدليل هو ذوقي الرفيع في الموسيقي !
حل هذه العقبة ، هو أن أسمح لشخص آخر غيري بأن يؤلف لحنا جديدا ، وحيث أنه لا يوجد سواي أنا والسماعة في هذه القصة ، فالشخص الآخر لن يكون سوي السماعة !! ، لكن كيف ؟
العقبة الثانية :
- ممنوع استخدام شريط فنكوش جديد ، يجب استخدام نفس الشريط القديم ، وذلك لنفس السبب السابق ، كسلي عن عملية الطباعة ، دعك من أنني بخيل بطبعي ، ولن أضيّع الأموال علي أشرطة من “الفنكوش” ! ماذا تظنونني ؟ أبلها ؟
حل هذه العقبة هو أن أدع السماعة تطبع بنفسها علي الشريط القديم ، دون تدخل مني أيضا ، أي أنها ستؤلف وتطبع وتغني كذلك !!
العقبة الثالثة والأخيرة :
- ممنوع اعادة الطباعة علي الشريط القديم !!
هذه العقبة تنسف حل العقبة رقم 2 ، فلن يمكنني ان اسمح للسمّاعة بأن تكتب اللحن الجديد علي الشريط القديم أبدا !، وبمعني أدق لن يمكنني استخدام أية اشرطة علي الاطلاق لا جديدة ولا قديمة ، لذا يجب علي السماعة ان تؤلف وتغني دون المرور بعملية الطباعة .
بالطبع من الواضح انني أدور في دائرة مفرغة ، وأنني أفرض من القواعد ما يزيد من تعقيد المشكلة ، لكنني انسان معقّد بطبعي ، وفرض القواعد هو متعتي في الحياة ، فأنا أشرب الماء بقواعد ، وأكل بقواعد ، كما أجلس “بالقواعد” ، و أنظر الي الأرض بقواعد ، وأحك أذني بقواعد ، فلا تطلبوا مني من فضلكم أن أغير من طباعي ..
المطلوب الآن ـ هو أن أعطي للسماعة القدرة علي تأليف نغمات جديدة ، ولا يخفي علي أحد صعوبة هذه المهمة ، فالسماعة بالكاد تقرأ النغمات المسجلة ، فما بالك بالقدرة علي التأليف !
والتأليف لمن لا يعرف هو عملية تعتمد علي وجود خبرات سابقة ، فالكاتب يؤلف رواية ما بناء علي خبرات و مواقف مرّ بها في حياته ، أو سمع عنها ، أو رآها تحدث لغيره ، وكذا الأمر مع الشعر و مع الألحان ومع الرسم والنحت و مع كل ما يمكن تأليفه وابتكاره ، فالانسان المبتكر يخلط خبراته السابقة والحالية في مزيج جديد ، مزيج فريد لشخصه هو فقط .
اذن فالمطلوب هو تدريب السمّاعة المسكينة علي التأليف ، ولن يحدث ذلك الا باعطاءها “خبرة” أو تجربة تتعلّم منها.
وفي قصتنا هذه ، فالخبرة الوحيدة التي مرت علي سماعتنا هو اللحن المشئوم الذي أحبّه .. المعذرة ، أقصد الذي كنت أحبه ، وهو :
يجب علي السماعة الآن أن تستفيد من هذه الخبرة الوحيدة في تأليف لحن جديد ، لكن كيف ؟
لا داعي للقلق ، فالكيفية هذه المرة تافهة للغاية ، فقط سنحتاج أن نتذكر أن اللحن ما هو الا تتابعات من الواحد والصفر ، أو من سريان التيار وتوقفه .
اذن كل ما علي السماعة أن تفعله هو تغيير هذه التتابعات بتتابعات جديدة ، ليتكون لحن جديد !
المقطع الأول من لحني المفضل هو :
اذا تم تغيير التتابع 0111 ، الي 0101 ، نحصل علي مقطع جديد بنغمة جديدة :
يمكن أيضا تغيير التتابع من 0111 الي 1011 ، لنحصل علي هذا المقطع :
باختصار ، يمكن للسماعة “نظريا” تغيير هذا المقطع الي أي مقطع جديد ، معتمدة في ذلك علي التلاعب بترتيب الشحنات ، أو الواحد والصفر ، أو بمعني آخر ، توصيل التيار الكهربي وتوقيفه ، وألجمل أن كل هذا يمكن أن يتم دون التعديل علي “شريط الفنكوش” !
هذا كلام جميل جدا ، فالآن أصبح أمامنا هدف واضح ، تحويل الكلام “النظري” الي تطبيق “عملي” ،ويتأتّي ذلك بتصميم آليّة معينة ، تستقبل الشحنات ، ثم تتلاعب بها ، وتغيّر قيمتها ، لينتج اللحن الجديد !
بداية ، هل تصميم هذه الآلية ممكن ؟ بالطبع ممكن ، وسل عن هذا أي مهندس الكترونيات ، سيقول لك أن التلاعب بالدوائر الكهربية والمقاومات والمكثّفات ، والأسلاك يمكن أن ينتج عنه دائرة كهربية معقدة ، تغيّر الواحد الي صفر ، أو تغير الصفر الي واحد .
تغيير الواحد الي صفر هو أمر هيّن ، فالآليّة ستعمل علي منع وصول الواحد الي السماعة ببساطة شديدة ، أي تحجب وصول التيار .
تغيير الصفر الي واحد أمر هيّن أيضا ، فالآلية ستحتوي علي شحنة زائدة دائما ، وعندما تستقبل صفرا (أي لا تستقبل شيئا) فانها تسمح بخروج هذه الشحنة الزائدة الي السمّاعة ، أي توّصل التيار اليها ، أي تحول الصفر الي واحد !
سنسمي هذه الآلية “بالمؤلف” لأنها تستطيع تأليف نغمات جديدة بنجاح .